mardi 8 mars 2016

البائعاتُ الجبليّات بطنجة.. قصص تعبٍ ومشقّة يومية



"مانعرافشي دا الشي اللي لتهضر عليه آ لحبيب"، هكذا ردّت علينا "رحيمو" عندما سألناها إن كانت تعلم أن يوم 8 مارس هو مناسبة عالمية للاحتفاء بالمرأة، حاولنا ما أمكن أن نوصل الفكرة لها، لكنها لم تبدو مهتمّة كثيرا بما نقول بقدر اهتمامها ببيع بضاعتها، في أسرع وقت، لتستطيع العودة بدريهمات معدودة تقيها الفاقة حتّى حين.

تستيقظ رحيمو، المرأة الجبلية المقيمة بقرية "غرباوة" ضواحي مدينة طنجة، حوالي الساعة الثالثة صباحا لتستعد ليوم سوقٍ جديد، من أجل بيع محصولها الزراعي وما جادت به ضروع أبقارها بسوق "كاساباراطا" يوم الأحد.

التجاعيد التي على وجهها وحدها كافية لتروي قصة تعبٍ ومشقّة يومية تعتبرها رحيمو أمرا لا مفر منه قائلة: "ما الذي يمكنني عمله في نظرك؟ هذه طريقة حياتنا، ولا مفر لنا من عيشها هكذا".

وعن سؤالنا حول السّر وراء قدوم النساء إلى السوق للبيع بدل الرجال، قالت رحيمو إن الرجال يتكفلون بمهمة الرعي، بينما باقي المهام، بما فيها البيع في الأسواق، تُوكل إلى المرأة.

تلك المهام التي تشمل كل ما يتعلق بأشغال البيت والحقل، بكل قسوتها وما تتطلبه من قوّةِ جسد، كتقليب الأرض بالفأس وتنظيفها من الحشائش، والحصاد وجمع الحطب، وطبخ الخبز في الفران التقليدي، ورعاية الأولاد.

باختصار، وباستثناء عملية الرعي وحدها لا غير، فإن المرأة الجبلية بالقرى والمداشر المجاورة لمدينة طنجة، تقوم بكل المهام، منذ استيقاظها وحتى آخر رمقٍ في اليوم، بحسب ما وضحت لنا رحيمو.

تقول رحيمو "عندما يعود الرجل من الرعي لا يقوم بأية مهمة، ويخلد إلى الراحة، وطبعا على المرأة أن تعمل على توفير سبل الراحة تلك دون النظر إلى تعبها هي أيضا !".

أما "الزهرة"، القادمة من مدشر "قنّوعة" فتؤكد لنا أنها، وباقي البائعات، يقسمن ليلهنّ إلى نصفين يوميْ الخميس والأحد، من أجل الحضور في الوقت المناسب لبيع بضاعتهن في الأسواق.

"نبدأ الاستعداد في الثالثة صباحا، بجمع بضائعنا وترتيبها، ثم نتنقل لمسافة لا بأس بها سيرا على الأقدام في انتظار أول حافلة تقلنا إلى سوق كاساباراطا أو سوق سيدي بوعبيد".

لا زالت المرأة الجبلية تحتفظ بلباسها المميز بـ"الشاشية" و"المنديل" و"الطزور"، ولكلّ قطعة ملابس دورها، كما توضح الزهرة، فـ"الشاشية للحماية من حرّ الشمس، أما الفوطة البيضاء على الكتف فلاتِّقاء البرد، بينما المنديل والطزور فلستر الجسد".

مداخيل المحصول اليومي، بحسب الزهرة، تتراوح بين 20 إلى 100 درهم، تبعا للرّواج التجاري وإقبال الزبائن، علما أن ذلك لا يكون إلى يوميْ السّوق، وهما الخميس والأحد.

تختلف المبيعات أيضا بحسب جودة المنتوج، فهناك مثلا جبليات معروفات بجودة منتجاتهن، وهنّ بالكاد يقضين ساعة أو أقل في السوق قبل أن يغادرن عائدات بعد أن يكن قد بعن ما جلبنه.

يقول أحد المتسوقين معلقا: "نحضر إلى السوق باكرا جدا لانتظار وصول فاطمة، لأن ما تبيعه من جبن وألبان معروف بلذته وجودته العالية. نحن بالكاد نستطيع الحصول على ما تبيعه نظرا للزحام الشديد الذي يقع فور وصولها، وبالتالي هي بالتأكيد لا تحمل همّ البيع بقدر ما تحمل هم إحضار بضائع أكثر وأكثر لإرضائنا جميعا".

وعموما، فإن الإقبال على بضائع البائعات الجبليات يبقى ملحوظا، ونظرة واحدة على الزحام الذي يعرفه سوق كاساباراطا يومي الخميس والأحد تكفي لتعرف أن الطلب يكون، في الغالب، أكثر من العرض.

تختلف السلع التي تأتي بها البائعات بين ألبان ومشتقاتها، وخضر وفواكه، إضافة إلى النباتات ذات القيمة الصحية العالية كـ"مرددّوش" و"مانتا" و"روطا"، وغيرها، والتي يصعب أن تجدها معروضة للبيع عموما في الأيام العادية.

ينتهي يوم العمل في الزوال بالنسبة للبائعات الجبليات، حيث يجمعن ما تبقى من بضاعتهن في انتظار قدوم الحافلات التي تقلهن إلى مداشرهن.

اعتقدنا أن رحيمو ستذهب لتريح جسدها بعد عناء ساعات طوال، لكنها واجهت ظنّنا بضحكة ساخرة وهي تعلق "طبعا لا، لازال أمامي الكثير والكثير مما أقوم به بعد العودة، وأول المهام هو تنظيف الزريبة قبل عودة الزوج من الرعي، ومهامّ أخرى لا تحصى".

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire